الانتفاع بمناقشة كتاب: الاتصال والانقطاع

لقد أثار الإمامُ مسلمٌ بنُ الحجّاجِ (ت 261 هجري) في مقدمة صحيحه مسألةَ شَرْطِ قبول الحديث المعنعن ، وقرَّرَ إجماعَ المحدِّثين فيها على حُكمٍ واحد ، وحكى عن رجل جاهل خامل الذكر مذهبًا مبتدَعًا يخالف منهجَ المحدّثين ، وردَّ عليه ردًّا قويَّ الحجة شديد اللهجة . واستمرّ المحدّثون لا نقاشَ بينهم في هذه المسألة ، حتى القرن الهجري السادس ، عندما أخطأ أحدُ العلماءِ فنسب الشرط المبتدَعَ إلى الإمامِ البخاريِّ وشيخِه عليِّ ابن المديني ، فبدأ الجدلُ العلميُّ في هذه المسألة : بين ناصرٍ مذهبَ مسلمٍ وناصرٍ مذهبَ البخاري ! دون نقاشِ أصلِ المسألةِ : هل كان البخاريُّ أو شيخُه ابنُ المديني يشترطان في الحديث المعنعن غيرَ الشرطِ الذي حكى الإمامُ مسلمٌ الإجماعَ عليه ؟ لذلك كان هذا الجدلُ فاقدًا منطلَقَ البحثِ الحقيقيَّ ، حيثُ كان البحث يبدأُ من مفترق الطريق ، لا من أول الطريق ؛ ولذلك كان جدلًا بعيدًا عن تحرير المسألة حقَّ تحريرها .
حتى مكّنني الله تعالى من إعادة البحث إلى أول طريقه في كتابي (إجماع المحدّثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصِرين)، والذي أكّدتُ فيه على صحة الإجماع الذي حكاه الإمام مسلم ، وأنه لم يخالف في ذلك البخاريُّ ولا غيرهُ من أئمة الحديث .
ومن حين أن صدر كتابي المذكور بدأ مسارُ الجدل في هذه المسألة يعتدل ، بالرجوع إلى أصل المسألة وأول الطريق ، وهذا أمرٌ إيجابي ، وسيكون له أثرٌ جيد – بإذن الله تعالى – على مسار البحث العلمي الحديثي .
وجاء هذا الكتاب ، والذي كان أصله قد نُشر نشرةً غير ورقية منذ عام 1426هـ ، ليكون حلقةً في هذا الحَراك البحثي ، الذي أسأل الله تعالى أن يكون حراكا علميًّا نافعا خادمًا للسنة وعلومها .